
عاصفة قوية تهب قبل وقت الأصيل .. زجاج الشرفة يعكس أشعة الشم
و يرسل ضوئها الذهبى بين أفرع الرمان اليابسة ..
تتراقص شجيرات حديقتنا غير قادرة على صد تلك العاصفة
التى بدت فى أوج قوتها المدمرة ..و تعلن بعضها الفشل ، لتسقط و ينتهى آخر أمل
لها بالنجاة ..
أجلس على الأرض مراقبة للمنظر ..فقد جف معظم ورد الحديقة إلا
من بقايا حشائش صفراء قد نساها الزمان ..
من كان يتوقع أن تنسى أمى سقاية ورد القرنفل لنفتقد رائحته
فى الصباح و الى الأبد ..
أقف بسرعة حاملة صندوقى الذى طال ما حمل و كتم أسرارى
و لكن رغم ذك فما زلت أفكر فى تلك الشجيرات التى تعلن فشلها أمامى ..
تماما مثل حياتى ..
كل شيئ عنيت به يتساقط اليوم بعد كل هذه السنين ..
كم غريب إرتباط الطبيعة بحياتنا و مجاريها !!!
أسمع صوت ينادينى من داخل المنزل للحضور بالداخل
صوت ينادينى لأترك تلك الشجيرات ؛ رب الريح تهب و تعصف بى
ماذا أقدر عليه !
إن علمت توا إن كل دروعى ، كل حصونى تتكسر حولى
أجرى مسرعة عكس الريح لأغلق باب الحديقة عله يصد بعض الشيئ
لكنها تبدو محاولة فاشلة حين أرى فتحات الباب التى تزيد من سرعة الريح
أكثر من صدها .
أرجع إلى صندوقى لأحافظ على آخر شيئ صار بقى معى من تلك القصة المجنونة
آخر شيئ أملكه له ..
أفتحه بعناية و أخرج من داخله أوراق قديمة كنت قد كتبتها فى لحظة أمل
مايزال آثار الحبر الأخضر يبقع أسطرها الشاخصة ،
قصاقيص لصورلأناس لم أراهم سوىفى تلك الصفحات العابرة ،
و رسايل مبعثرة تم تفريغها من أغلفتها حتى يسهل لى اخراجها
فى مثل هذه اللحظة ..
عندها كانت الرياح قد هدأت ثورتها ،
و بدت السمــاء صافية من السحب .
ولكن كان الظلام قد عم المكان عند ذاك الوقت ،
بدت النجوم بيضاء ناصعة تتلألأ على صفحة السمــاء ،
كم كان لسحر هذا الوقت على نفسى من سنين !
و مازال الآن ، يذيب غضبى و يعطينى نوع من الإرتياح الروحانى ،
أبتسم برغم الدموع التى وجدت طريقها خارج مقلتى ..
تجرى ساخنة على خدى ..
تتوق اليها مقلتاى كشوق إبتسامة فى فصل الخريف ..
تجرى ساخنة على خدى ..
أترك نفسى و استسلم لها علها تغسل ماتركته الأيام
علها تنظف قلبى و تنسينى ذاك الحب الذى أحاول كتابة نهايته الليلة برغم صعوبته .
حب لم أقدر على الحفاظ عليه و لا تركه ..
فسأكتب اليوم النهاية وحدى عل هذا يعيد الأمان الى قلبى ،
مرة أخرى أبدو ضعيفة ؛ تسيل الدموع من جديد تنهمـر على رسالة بالية كنت قد مسكتها
بين أناملى ..
كانت هى رسالته الأولى التى وجدت طريقها الى قلبى .
يجب أن تكون هذة اللحظة الآن ..
لم لا أقدر على كتابة نهاية هذة القصة التى تدمرنى فى كل لحظة !
ترتعش يداى و أنا أفرغ كل خطاباتى لكتابة موتها ..
توا تهب الرياح لتتناثر أوراقى من بين يداى ،
حركة عنيفة تدور بجسمى بهزة صعقة كهربائية
كل ذكرياتى تذهب فى مهب الرياح ..
أهممت عندها بالركض لأن أجمعها من جديد،
لكى أضمها الى صدرى و أعلن أسفى لها ..
وددت لأقبلها فقط قبل أن تفر هاربة من بين يداى .
.فقط لأقرأها للمرة الأخيرة برغم حفظى لها..
لكى ألغى عليها نظرة الوداع ..
ترغبت سيل دموعى المعتاد فلم تجرى عبرة لتخفف همى ..
حتى رجلاى لم تقدر على حملى
صرخة تملئ صدرى و لكنها لا تجد طريقها الى الخارج ..
غصة تغلق حلقى ..
أردت عندها أن أرجع عشرة سنوات الى الوراء ..
تلميذة بالصف الخامس
كل همها أن تنجح فى دروسها و لعبتها التى لا تفارق يدها ..
عام قبل أن أعرفه
ليت الأمانى بأيدينا..
عندها تنثال ذكرياتى ، صور مختلفة و غير منظمة سمة ضحك و دموع فرح و حنين ،
شوق و وداع تلف فى رأسى كشريط سينمائى عاجزة على مسحه
أبدا ما كان هو سبب هذا الجرح الذى ما كفأ أن نكأ و هذا النزيف
الذى توقظة خطوط تلك الذكريات ..
أنا التى كنت أثور لذكره إسم غيرى ..
أنا التى أردته لى وحدى
و عندما جاءنى راكعا ،عندما وجدته يبادلنى مشاعرى ، عندما ملكت قلبه و عقله
تجاهلته ، نسيته ، و نسيت الحب الذى لن أجد مثله
تبا لى ولأنانيتى ..
يدنو إلى فأسرع هاربة من حياته ..
و يبعد عنى فأجد نفسى ثائرة كنمرة تدافع عن ممتلكاتها ..
لم أجعله يقضى السنين بين فراقى و أمل الرجوع
لم أعذبه و أعذب نفسى بهذا الحب الأسطورى ، لطال ما جرحنا و اكتوينا بناره ..
لم يعد يدرى بما يجرى حولى و لم أعد قادرة لإحتمال مشاعرى ..
لم العذاب والشوق !
سأكتب اليوم نهاية الحب و الجراح ، الحنين و العذاب ، الظلم و الكبرياء ..
أدرى انها أنانية فلم أفكر سوى فى نفسى ،
لكنها لاتفرق عن باقى المرات التى قسوت عليه فقد أخذت معظم قراراتنا وحدى ..
أذهب لألملم تلك الرسايل الخائبة التى لم تذهب أبعد من سور الحديقة ..
أفتح باب المنزل برفق و عناية حتى لا أوقظ أحد ليرانى فى أدنى لحظات ضعفى ..
أذهب الى المدفأة أرمى خطاباتى واحدة تلو الأخرى ..
يشتم المكان برائحة الشياط ؛ برائحة سنين تموت فى لحظات لم أجد فيها نفسى
اليوم فقط أعلن موت حبى للكون أجمعه
فلم أعد قادرة على التمثيل و إخفاء مشاعرى
عل هذا يعطينى احساس بالذنب لمجرد التفكير به
مرة أخرى تسيل الدموع ..و تفيض مشاعرى بالحنين
أحاول أن ألتقط بقايا رسالة لم تفلح النار على أكلها
لأجد يد ساخنة تربت على كتفى و تشدنى الى الوراء ..
"إتركيها تحترق ، لن تفيدك بعد موتها ..لم تقتلى الماضى و تحتفظى بأشلائه لتطاردكاجعليه عهد عندها يعود السلام إلى قلبك .."
ألتفت لأجد أمى تنظر الى بنظرة لن أنساها عمرى
و مرة أخرى تسيل الدموع !!!
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق